الشبهة
يشكك
بعض الكتاب بين الحين والآخر بحكم غطاء المرأة السلمة لوجهها في الشريعة
الإسلامية زاعماً أن الإسلام لم يدعو إليه وأنه من العادات الاجتماعية ولا
شأن له بالإسلام
الجواب
هو في قول الله تعالى : {يا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء
الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى
أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}كتبه الشيخ : أشرف عبدالمقصود
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رأيت أن أقوم بجمع
أقوال المفسرين في هذا الباب ، مع الإشارة إلى الجزء والصفحة للمواضع التي
صرحوا فيها بذلك مع ذكر طبعة الكتاب ، وقد ذكرت هنا أكثر من أربعين مفسرا
ورتبتهم على الوفيات ؛ لعل ذلك يكون أبلغ رد على هؤلاء الأدعياء الذين
زعموا زورًا وبهتانا أن غطاء الوجه ينكره الأئمة الأربعة والمفسرون وأنه
دخيل على المسلمين ولم يَقُل به أحد من أهل العلم . فمن هؤلاء المفسرين :
1- المفسر الإمام حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما :
قال في قوله { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ } : (( أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة )) اهـ . الطبري ( 19 / 181 ) وسيأتي بعد قليل .
2ـ المفسر يحيى بن سلام التيمي البصري القيرواني رحمه الله ت 200هـ :
قال في تفسير قول الله تعالى : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }.
قال : (( والجلباب : الرداء تقنع به ، وتغطي به شق وجهها الأيمن ، تغطي
عينها اليمنى وأنفها )) اهـ . ( تفسير يحي بن سلام ) ( 2 / 738 ) ط : دار
الكتب العلمية 2004م .
3ـ إمام المفسرين الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله ت 310هـ :
قال : (( يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }
لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن
ووجوههن ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يعرض لهن فاسق إذا علم أنهن
حرائر بأذى من قول . ثم اختلف أهل التأويل في صفة الإدناء الذي أمرهن الله
به فقال بعضهم هو أن يغطين وجوههن ورءوسهن فلا يبدين منهن إلا عينا واحدة .
ذكر من قال ذلك : حدثني علي قال ثنا أبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن
ابن عباس قوله {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }
أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من
فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة . حدثني يعقوب قال ثنا بن علية عن
ابن عون عن محمد عن عبيدة في قوله : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }
فلبسها عندنا ابن عون . قال : ولبسها عندنا محمد . قال محمد : ولبسها عندي
عبيدة . قال ابن عون بردائه فتقنع به فغطى أنفه وعينه اليسرى وأخرج عينه
اليمنى وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه أو على الحاجب . حدثني
يعقوب قال ثنا هشيم قال أخبرنا هشام عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن قوله
: { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }قال
: فقال بثوبه فغطى رأسه ووجهه وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه . وقال آخرون : بل
أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن )) اهـ ثم ذكر من قال ذلك . (جامع
البيان في تفسير القرآن ( 19 / 180 ـ 182 ) .
4ـ المفسر العلامة أبو بكر أحمد بن علي الرازي المشهور بالجصاص رحمه الله ت 370 هـ :
فعند تفسيره لقول الله تعالى : {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }
أورد بعض الآثار المتقدمة عن ابن عباس وأم سلمة وعبيدة والحسن ثم قال : ((
قال أبو بكر : في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها
عن الأجنبيين وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن
وفيها دلالة على أن الأمة ليس عليها ستر وجهها وشعرها لأن قوله تعالى ونساء
المؤمنين ظاهره أنه أراد الحرائر وكذا روي في التفسير لئلا يكن مثل الإماء
اللاتي هن غير مأمورات بستر الرأس والوجه فجعل الستر فرقا يعرف به الحرائر
من الإماء )) اهـ . ( أحكام القرآن ـ 5 / 244 ـ 245) .
5ـ المفسر الإمام أبو المظفر السمعاني رحمه الله ت 489هـ :
قال : (( وقوله تعالى : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }أي
: يشتملن بالجلابيب ، والجلباب هو الرداء ، وهو الملاءة التي تشتمل بها
المرأة فوق الدرع والخمار . قال عبيدة السلماني : تتغطى المرأة بجلبابها
فتستر رأسها ووجهها وجميع بدنها إلا إحدى عينيها )) اهـ . ( تفسير القرآن )
( 4 / 306 ، 307 ) ط : دار الوطن بالرياض 1997م .
6ـ المفسر الفقيه عماد الدين الطبري الشهير بإلكيا الهراس رحمه الله ت 504 هـ :
قال : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }الجلباب
: هو الرداء ، فأمرهن بتغطية وجوههن ورءوسهن ولم يوجب على الإماء ذلك ))
اهـ ( أحكام القرآن ) ط دار الكتب الحديثة ( 4 / 354 )
7ـ المفسر الإمام البغوي رحمه الله ت 516هـ :
قال : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }
جمع الجلباب ، وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار ،
وقال ابن عباس وأبو عبيدة : أمر نساء المؤمنين أن يغطين رءوسهن ووجوهن
بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم انهن حرائر{ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ }أنهن حرائر { فَلَا يُؤْذَيْنَ } فلا يتعرض لهن )) اهـ . ( تفسير البغوي ج3/ص586 ) ط2 : دار طيبة بالرياض 1423هـ .
8ـ المفسر الإمام الزمخشري رحمه الله ت 538هـ :
قال : (( ومعنى{ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }
يرخينها عليهنّ ويغطين بها وجوههنّ وأعطافهنّ ، يقال : إذا زال الثوب عن
وجه المرأة أدنى ثوبك على وجهك ، وذلك أن النساء كنّ في أول الإسلام على
هجيراهنّ في الجاهلية متبذلات تبرز المرأة في درع وخمار فصل بين الحرّة
والأمة ، وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرّضون إذا خرجن بالليل إلى مقاضي
حوائجهنّ من النخيل والغيطان للإماء ، وربما تعرّضوا للحرّة بعلة الأمة
يقولون حسبناها أمة ، فأمرن أن يخالفن بزيهنّ عن زي الأماء الأردية
والملاحف وستر الرءوس والوجوه ليحتشمن ويُهَبن فلا يطمع فيهن طامع )) اهـ .
(تفسير الكشاف ـ 3 / 246) ط دار المعرفة بيروت .
9ـ المفسر العلامة أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله ت 543هـ :
(( اختلف الناس في
الجلباب على ألفاظ متقاربة عمادها : أنه الثوب الذي يستر به البدن ، لكنهم
نوعوه هاهنا فقد قيل : إنه الرداء ، وقيل : إنه القناع . قوله تعالى : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }قيل
: معناه تغطي به رأسها فوق خمارها . وقيل : تغطي به وجهها حتى لا يظهر
منها إلا عينها اليسرى . والذي أوقعهم في تنويعه أنهم رأوا الستر والحجاب
مما تقدم بيانه واستقرت معرفته ، وجاءت هذه الزيادة عليه واقترنت به
القرينة التي بعده وهي مما تبينه وهو قوله تعالى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}
والظاهر : أن ذلك يسلب المعرفة عند كثرة الاستتار فدل على أنه أراد
تمييزهن على الإماء اللاتي يمشين حاسرات أو بقناع مفرد يعترضهن الرجال
فيتكشفن ويكلمنهن ، فإذا تجلببت وتسترت كان ذلك حجاباً بينها وبين المتعرض
بالكلام والاعتماد بالإذاية )) اهـ . (أحكام القرآن ـ 3 / 1586) ط دار
الجيل بيروت بتحقيق علي محمد البجاوي ط 1988م .
10- المفسر العلامة ابن عطية الأندلسي رحمه الله ت 546هـ :
قال عند تفسيره لهذه
الآية العظيمة : (( لما كانت عادة العربيات التبذل في معنى الحجبة ، وكن
يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء ، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن وتشعب
الفكر فيهن أمر الله تعالى رسوله عليه السلام بأمرهن بإدناء الجلابيب ليقع
سترهن ويبين الفرق بين الحرائر والإماء ؛ فيعرف الحرائر بسترهن ، فيكف عن
معارضتهن من كان غزلا أو شابا وروي أنه كان في المدينة قوم يجلسون على
الصعدات لرؤية النساء ومعارضتهن ومراودتهن فنزلت الآية بسبب ذلك ، والجلباب
: ثوب أكبر من الخمار ، وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء واختلف
الناس في صورة إدنائه فقال ابن عباس وعبيدة السلماني ذلك أن تلويه المرأة
حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها ، وقال ابن عباس أيضا وقتادة وذلك
أن تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكنه يستر
الصدر ومعظم الوجه وقوله تعالى :{ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ }أي
على الجملة بالفرق حتى لا يختلطن بالإماء ، فإذا عرفن لم يُقابلن بأذى من
المعارضة مراقبة لرتبة الحرية ، وليس المعنى أن تعرف المرأة حتى يعلم من هي
، وكان عمر إذا رأى أمة قد تقنعت قنعها الدرة محافظة على زي الحرائر ،
وباقي الآية ترجية ولطف وحض على التوبة وتطميع في رحمة الله تعالى )) اهـ .
( المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ـ ج13/ 99 ، 100 ) .
11ـ المفسر الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله ت 597هـ :
قال عند تفسير هذه
الآية العظيمة : سبب نزولها أن الفساق كانوا يؤذون النساء إذا خرجن بالليل ،
فإذا رأوا المرأة عليها قناع تركوها وقالوا هذه حرة ، وإذا رأوها بغير
قناع قالوا أمة فآذوها فنزلت هذه الآية ، قاله السدي . وقوله تعالى : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ } قال ابن قتيبة : يلبسن الأردية ، وقال غيره : يغطين رءوسهن ووجوههن ليعلم أنهن حرائر . { ذَلِكَ أَدْنَى } أي أحرى وأقرب { أَن يُعْرَفْنَ }أنهن حرائر { فَلَا يُؤْذَيْنَ })) اهـ
(( زاد المسير ) ( 6 / 422 ) ط 3 المكتب الإسلامي 1984م .
12ـ المفسر العلامة المفسر الفخر الرازي رحمه الله ت 606 هـ :
قال عند تفسير هذه
الآية العظيمة قال : (( كان في الجاهلية تخرج الحرة والأمة مكشوفات يتبعهن
الزناة وتقع التهم فأمر الله الحرائر بالتجلبب وقوله { ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ }
قيل : يعرفن أنهن حرائر فلا يتبعن ، ويمكن أن يقال : المراد : يعرفن أنهن
لا يزنين ؛ لأن من تستر وجهها مع أنه ليس بعورة لا يطمع فيها أنها تكشف
عورتها فيعرفن أنهن مستورات )) اهـ . ( التفسير الكبير ) ( 25 / 230) ط :
إحياء التراث العربي بيروت ط3.
13- المفسر الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى ت 660هـ :
(( { جَلَابِيبِهِنَّ }
الجلباب : الرداء أو القناع أو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها وإدناؤه أن
تشد به رأسها وتلقيه فوق خمارها حتى لا ترى ثغرة نحرها أو تغطي به وجهها
حتى لا تظهر إلا عينها اليسرى { يُعْرَفْنَ }
من الإماء بالحرية أو من المتبرجات بالصيانة . قال قتادة : كانت الأمة إذا
مرت تناولها المنافقون بالأذى فنهى الله - تعالى - الحرائر أن يتشبهن بهن
)) اهـ . ( تفسير العز بن عبد السلام ط1 : دار ابن حزم - بيروت 1996م،
تحقيق: الدكتور عبد الله بن إبراهيم الوهبي ( ج2/ص590 ) .
14ـ المفسر الكبير الإمام القرطبي رحمه الله ت 671هـ :
قال عند تفسير قول الله عز وجل {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }
: قال : (( لما كانت عادة العربيات التبذل وكن يكشفن وجوههن كما يفعل
الإماء وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن وتشعب الفكرة فيهن أمر الله
رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج
إلى حوائجهن وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف فيقع الفرق بينهن
وبين الإماء فتعرف الحرائر بسترهن فيكف عن معارضتهن من كان غزلا أو شابا
وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها
بعض الفجار يظن أنها أمة فتصيح به فيذهب فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله
عليه وسلم ونزلت الآية بسبب ذلك قال معناه الحسن وغيره ، الثالثة قوله
تعالى {مِن جَلَابِيبِهِنَّ}
الجلابيب جمع جلباب وهو ثوب أكبر من الخمار ، وروي عن ابن عباس وابن مسعود
أنه الرداء وقد قيل إنه القناع والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن ))
اهـ (تفسير القرطبي ـ 14 / 243) .
15ـ المفسر العلامة البيضاوي رحمه الله ت 691هـ :
قال عند تفسير قول الله عز وجل : {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ }قال : (( يغطين وجوههن وابدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجة و ** من } للتبعيض ؛ فإن المرأة ترخي بعض جلبابها ، وتتلفع ببعض ، و { ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ } يميزن من الإماء والقينات{فَلَا يُؤْذَيْنَ } فلا يؤذيهن أهل الريبة بالتعرض لهن )) اهـ . (تفسير البيضاوي ) ص ( 563 ) ط : دار الجيل بيروت مصورة عن الطبعة العثمانية 1329هـ .